فصل: من فوائد ابن الجوزي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد الثعلبي في الآية:

قال رحمه الله:
{يِا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} الآية نزلت في ثلاثة نفر خرجوا تجارًا من المدينة إلى الشام، عدي بن فدي، وتميم بن أوس الداري وهما نصرانيان وبديل مولى عمرو بن العاص السهمي وكان مسلمًا مهاجرًا واختلفوا في كنية أبيه.
فقال الكلبي: بديل بن أبي مازنة. وقال قتادة وابن سيرين وعكرمة: هو ابن أبي مارية، ومحمد بن إسحاق بن يسار وابن أبي مريم، فلما قدموا إلى الشام مرض بديل وكتب كتابًا فيه جميع ما معه وطرحها في متاعه ولم يخبر صاحبه بذلك، فلما اشتد وجعه أوصى إلى تميم وعدي وأمرهما أن يدفعا متاعه إذا رجعا إلى أهله، ومات بديل ففتشا متاعه فأخذا منه إناء من فضة منقوشًا بالذهب فيه ثلثمائة مثقال فضة مموّهة بالذهب فغيباه ثم قضيا حاجتهما وانصرفا وقدما المدينة فدفعا المتاع إلى أهل الميت ففتشوا [فوجدوا] الصحيفة فيها تسمية ما كان معه وما فيها الإناء فجاءوا تميمًا وعديًا. فقالوا: هل باع صاحبنا شيئًا من متاعه؟ قالا: لا، قالوا: فهل خسر تجارة؟ قالا: لا، قالوا: فهل طال مرضه فأنفق على نفسه؟ قالا: لا. قالوا: فإنا وجدنا في متاعه صحيفة فيها تسمية ما معه وإنا فقدنا فيها إناء من فضة مموّهة بالذهب فها ثلاثمائة مثقال فضة. قالا: لا ندري إنما أوصى إلينا بشيء وأمرنا أن ندفعه إليكم ودفعناه وما لنا إلاّ من حكم، فرفعوها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل اللّه تعالى: {يِا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الموت حِينَ الوصية اثنان}.
قال أهل الكوفة: معناه ليشهد اثنان لفظ الآية خبر ومعناها أمر. قال أهل البصرة: معناه شهادة بينكم شهادة إثنين فألقيت الشهادة وأقيمت الاثنان مقامهما كقوله: {وَسْئَلِ القرية} [يوسف: 82] أي أهل القرية ما بقي أهل وأقام القرية مقامه فنصبها.
وقال بعضهم: معناه شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت أن يشهد إثنان {ذَوَا عَدْلٍ} أمانة وعقل {مِّنْكُمْ} يا معشر المؤمنين من أهل دينكم وملتكم.
قاله جميع المفسرين إلاّ عكرمة وعبيد فإنهما قالا: معناه من حيّ الموصي.
واختلفوا في صفة الإثنين، فقال قوم: هما الشاهدان اللذان يشهدان على وصية الموصي.
وقال آخرون: هما الوصيان أراد الله تأكيد الأمر فجعل الوصي إثنين دليل هذا التأويل أنه عقَّبه بقوله: {تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصلاة فَيُقْسِمَانِ} ولا يلزم الشاهد يمين، ولأن الآية نزلت في الوصيين، وعلى هذا القول تكون الشهادة بمعنى الحضور، كقولك: شهدت فلان أي حضرت، قال اللّه تعالى: {أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الموت} [البقرة: 133] الآية، فقال: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ المؤمنين} [النور: 2].
{أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} ملّتكم وهو قول ابن المسيب والنخعي وابن جبير ومجاهد وعبيدة ويحيى بن يعمر وأبي محجن قالوا: إذا لم يجد مسلمين فليشهد كافرين.
قال شريح إذا كان الرجل بأرض غربة فلم يجد مسلمًا يشهده على وصيته فليشهد يهوديًا أو نصرانيًا أو مجوسيًا أو عابد وثن وأيّ كافر كان فشهادته جائزة ولا يجوز شهادة الكافرين على المسلمين إلاّ في سفرة ولا يجوز في سفر إلاّ في وصية فإن جاء رجلان مسلمان وشهدا بخلاف شهادتهما أجيزت شهادة المسلمين فأبطلت شهادة الكافرين.
وعن الشعبي: أن رجلًا من المسلمين حضرته الوفاة فأوصى ولم يجد أحدًا من المسلمين يشهده على وصيته، فقال الأشعري: هذا أمر لم يكن بعد، الذي كان في عهد رسول اللّه فأحلفهما وأمضى شهادتهما.
قال آخرون: معناه من غير حيكم وعشيرتكم. وهذا قول الحسن والزهري وعكرمة قالوا: لا يجوز شهادة كافر في سفر ولا حضر.
{إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأرض} سرتم وسافرتم في الأرض {فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الموت} فأوصيتم إليهما ودفعتم مالكم إليهما فلم [يأمنان الإرتياب بحق] الورثة فاتهموهما في ذلك فادّعوا عليهما خيانة، فإن الحكم حينئذ أن تحبسونهما، أي تستوقفونهما {مِن بَعْدِ الصلاة} وقال ابن عباس: هذا من صلة قوله: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} من الكفار فأما إذا كانا مسلمين، فلا يمين عليهما، واختلفوا في هذه الصلاة ما هي.
فقال النخعي والشعبي وابن جبير وقتادة: من بعد صلاة العصر. وقال السدي: من بعد صلاة أهل دينهما وملتهما لأنهما لا يباليان صلاة العصر {فَيُقْسِمَانِ بالله} فيحلفان {إِنِ ارتبتم} شككتم {لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا} يقول لا نحلف باللّه كاذبين على عرض نأخذ عليه [لو أن يكن يذهب إليه في ويجحده] {وَلَوْ كَانَ ذَا قربى} ولو كان الذي يقسم له به ذا قربى ذا قرابة معنا {وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ الله} قرأ الشعبي لا نكتم شهادة اللّه بالتنوين، اللّه بخفض الهاء على الإتصال أراد اللّه على القسم.
وروي عن أبي جعفر {شهادة الله} بقطع الألف وكسر أولها على معنى ولا نكتم شهادة ثم إبتدأ يمينًا فقال: اللّه أي واللّه [...] يعقب بتنوين الشهادة، «الله» بالألف واللام وكسر الهاء وجعل الإستفهام حرفًا من حروف القسم، فروي عن بعضهم شهادة منونة، اللّه بنصب الهاء يعني ولا نكتم شهادة اللّه أما إن فعلنا ذلك {إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الآثمين} فلما نزلت الآية على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم صلاة العصر ودعا بعدي وتميم، فاستحلفا عند المنبر باللّه الذي لا إله إلاّ هو أنهما لم يخونا شيئًا مما دفع إليهما فحلف على ذلك وخلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم سبيلهما حين حلفا فكتما الإناء ما شاء اللّه أن يكتما ثمّ ظهر واختلفوا في كيفية ظهور الإناء.
فروى ابن جبير عن ابن عباس إن الإناء وجد بمكة فقالوا: اشتريناه من عدي وتميم.
قال الآخرون: لما طالت المدة أظهر الإناء وبلغ ذلك بني تميم فأتوهما في ذلك. فقالا: إنا كنّا قد اشترينا منهم هذا وقالوا: ألم تزعما بأن صاحبنا لم يبع شيئًا من متاعه؟ قالا: لم يكن عندنا ثمنه فكرهنا أن نقر لكم به فكتمناكموه لذلك فرفعوهما لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم فأنزل الله: {فَإِنْ عُثِرَ}. اهـ.

.من فوائد ابن الجوزي في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم} روى سعيد بن جبير عن ابن عباس.
قال: كان تميم الدّاري، وعدي بن بداء يختلفان إِلى مكة، فصحبهما رجلٌ من قريش من بني سهم، فمات بأرض ليس فيها أحد من المسلمين، فأوصى إِليهما بتركته، فلما قدما، دفعاها إِلى أهله، وكتما جامًا كان معه من فضة، وكان مخوَّصًا بالذهب، فقالا: لم نره، فأُتي بهما إِلى النبي صلى الله عليه وسلم، فاستحلفهما بالله: ما كتما، وخلى سبيلهما.
ثم إِن الجام وُجدَ عند قومٍ من أهل مكة، فقالوا: ابتعناه من تميم الدّاري، وعدي بن بداء، فقام أولياء السهمي، فأخذوا الجام، وحلف رجلان منهم بالله: إِن هذا الجام جام صاحبنا، وشهادتنا أحق مِن شهادتهما، وما اعتدينا، فنزلت هذه الآية، والتى بعدها.
قال مقاتل: واسم الميِّت: بُزيلُ بن أبي مارية مولى العاص بن وائل السهمي، وكان تميم، وعدي نصرانيين، فأسلم تميم، ومات عديٌ نصرانيًا.
فأما التفسير، فقال الفراء: معنى الآية: ليشهدكم اثنان إِذا حضر أحدكم الموت.
قال الزجاج: المعنى: شهادة هذه الحال شهادة اثنين، فحذف {شهادة}، ويقوم {اثنان} مقامهما.
وقال ابن الأنباري: معنى الآية: ليشهدكم في سفركم إِذا حضركم الموت، وأردتم الوصيّة اثنان.
وفي هذه الشهادة ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها الشهادة على الوصيّة التي ثبتت عند الحكام، وهو قول ابن مسعود، وأبي موسى، وشريح، وابن أبي ليلى، والأوزاعي، والثوري، والجمهور.
والثاني: أنها أيمان الوصي بالله تعالى إِذا ارتاب الورثة بهما، وهو قول مجاهد.
والثالث: أنها شهادة الوصيّة، أي حضورها، كقوله: {أم كنتم شهداء إِذ حضر يعقوب الموت} [البقرة: 133] جعل الله الوصي هاهنا اثنين تأكيدًا، واستدل أرباب هذا القول بقوله: {فيقسمان بالله} قالوا: والشاهد لا يلزمه يمينٌ.
فأما «حضور الموت» فهو حضور أسبابه ومقدماته.
وقوله: {حين الوصية}، أي: وقت الوصية.
وفي قوله: {منكم} قولان:
أحدهما: من أهل دينكم وملتكم، قاله ابن مسعود، وابن عباس، وسعيد ابن المسيب، وسعيد بن جبير، وشريح، وابن سيرين، والشعبي، وهو قول أصحابنا.
والثاني: من عشيرتكم وقبيلتكم، وهم مسلمون أيضًا، قاله الحسن، وعكرمة، والزهري، والسدي.
قوله تعالى: {أو آخران من غيركم} تقديره: أو شهادة آخرين من غيركم.
وفي قوله: {من غيركم} قولان:
أحدهما: من غير ملتكم ودينكم، قاله أرباب القول الأول.
والثاني: من غير عشيرتكم وقبيلتكم، وهم مسلمون أيضًا، قاله أرباب القول الثاني، وفي «أوْ» قولان:
أحدهما: أنها ليست للتخيير، وإِنما المعنى: أو آخران من غيركم إِن لم تجدوا منكم، وبه قال ابن عباس، وابن جبير، والثاني: أنها للتخيير، ذكره الماوردي.
فصل:
فالقائل بأن المراد بالآية شهادة مسلمين من القبيلة، أو من غير القبيلة لا يشك في إِحْكَامِ هذه الآية.
فأما القائل بأن المراد بقوله: {أو آخران من غيركم} أهل الكتاب إِذا شهدوا على الوصيّة في السفر، فلهم فيها قولان:
أحدهما: أنها محكمة، والعمل على هذا باق، وهو قول ابن عباس، وابن المسيب، وابن جبير.
وابن سيرين، وقتادة، والشعبي، والثوري، وأحمد في آخرين.
والثاني: أنها منسوخة بقوله: {وأشهدوا ذوي عدلٍ منكم} وهو قول زيد بن أسلم، وإِليه يميل أبوحنيفة، ومالك، والشافعي، قالوا: وأهل الكفر ليسوا بعدول، والأول أصح، لأن هذا موضع ضرورة كما يجوز في بعض الأماكن شهادة نساء لا رجل معهن بالحيض والنفاس والاستهلال.
قوله تعالى: {إِن أنتم ضربتم في الأرض} هذا الشرط متعلق بالشهادة، والمعنى: ليشهدكم اثنان إِن أنتم ضربتم في الأرض، أي: سافرتم.
{فأصابتكم مصيبة الموت} فيه محذوفٌ، تقديره: وقد أسندتم الوصية إِليهما، ودفعتم إِليهما مالكم {تحبسونهما من بعد الصلاة} خطابٌ للورثة إِذا ارتابوا.
وقال ابن عباس: هذا من صلة قوله: {أو آخران من غيركم}، أي: من الكفار.
فأما إِذا كانا مسلمين، فلا يمين عليهما.
وفي هذه الصلاة قولان:
أحدهما: صلاة العصر، رواه أبو صالح عن ابن عباس.
وبه قال شريح، وابن جبير، وإِبراهيم، وقتادة، والشعبي.
والثاني: من بعد صلاتهما في دينهما، حكاه السدي عن ابن عباس، وقال به.
وقال الزجاج: كان الناس بالحجاز يحلفون بعد صلاة العصر، لأنه وقت اجتماع الناس، وقال ابن قتيبة: لأنه وقت يعظمه أهل الأديان.
قوله تعالى: {فيقسمان بالله} أي: فيحلفان {إِن ارتبتم} أي: شككتم يا أولياء الميت.
ومعنى الآية: إِذا قدم الموصى إِليهما بتركة المتوفي، فاتهمهما الوارث، استحلفا بعد صلاة العصر: أنهما لم يسرقا، ولم يخونا.
فالشرط في قوله: {إِن ارتبتم} متعلق بتحبسونهما، كأنه قال إِن إِرتبتم حبستموهما فاستحلفتموهما، فيحلفان بالله: {لا نشتري به} أي: بأيماننا، وقيل: بتحريف شهادتنا، فالهاء عائدة على المعنى.